الأربعاء، 11 مايو 2011

سلسلة الرقية الشرعية

السلسلة السابعة
[13] ملاحظات طبية حول بعض الممارسات والطقوس في الرقية (تنظيم العلاج بالرقية).
أ‌- ما يسمى بعيادات الرقية (ظاهرة تفرغ البعض للرقية على الناس).
رقية العارف غيره كان أمراً معروفاً في الجاهلية والإسلام، فقد ثبت في السيرة أن بعض الصحابة، بيوتات وأفراداً، كانوا يرقون الناس ويُعرفون بذلك، منهم آل حزم، وهم أهل بيت من الأنصار، كانوا يعرفون بالرقية في الجاهلية، ثم أقرهم الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الإسلام، وقد كان من الصحابة من يرقي المجانين ويعرف بذلك(34)، ومنهم من كان يرقي من العقرب(35). والرسول –صلى الله عليه وسلم- أذن لبعض الصحابة، أن يطلبوا الرقية ممن يحسنها، وحث أصحابه على رقية المرضى، في قوله: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ"(36). وإلزام الناس جميعاً ألا يطلبوا الرقية من الغير، وأن عليهم أن يقرؤوا على أنفسهم، أمر كمال لا يمكن تحققه لكل الناس، إذ ليس كلهم محسن للرقية عارف بها.
وهذا غاية ما نعرف من أحوال تلك القرون الفاضلة، أن يكون أناس معروفون بالرقية خبيرون بها. أما الآن فقد تطور الأمر وأصبح الرقاة لهم أماكن خاصة بهم تسمى غالباً "عيادات العلاج بالرقية"، وصارت الرقية حرفة وباباً للكسب، يتفرغون لها، ويعرفون بها، ويشار إليهم بالبنان، ويسافر إليهم من شتى الأقطار.
ولا شك أن حاجات الناس زادت، والأمور أصبحت أكثر تعقيدا، ووجود هذه العيادات أعتقد أنه استجابة طبيعية لطلبات المجتمع، لكن المقلق أنها وجدت هكذا بلا تنظيم ولا ضوابط، وصارت كلأ مباحاً لكل أحد، فدخلها الأمي والجاهل والمشعوذ والدجال، وإن كانت لم تخل بحمد الله من طلبة العلم والأخيار والصالحين. وقد بانت لهذه العيادات مفاسد شرعية كثيرة أشار إليها بعض الباحثين(37)، وبعض هذه المفاسد قبيح شنيع لا يمكن السكوت عليه أو التغاضي عنه.
ولهذا أفتى عدد من علماء العصر بالتنفير من هذه العيادات لغلبة المفاسد وشيوعها، وكل هذا الذي تقدم، إنما هو خلاف في عيادات الرقية لا في جواز الاسترقاء عموماً. فإن طلب الرقية من الغير أمر مباح بلا ريب، خاصة لمن لا يحسن الرقية.
وأنا شخصياً لا أظن أن الحل هو في الإغلاق نهائياً لأن هذا في نظري غير ممكن إطلاقاً ولا منصف أيضاً، وإنما الحل هو في تنظيم العلاج بالرقية وإصدار اللوائح والأنظمة المقننة له. وهذا الاقتراح هو أحد الاقتراحات الخمسة التي أقترحها لتطوير هذا العلم، وسأذكرها في فقرة مستقلة في المسألة رقم (14).

ب‌- الدور المطلوب من الراقي:
في نظري أن ما يجري حالياً فيما يسمى عيادات الرقية لا يفيد المرضى كثيراً، لأن فيه خروجاً عن مقصود الرقية وهو التعلق بالله إلى التعلق بأشخاص القراء وإلى التعلق بالزيت والماء، بل ربما كان المريض يراجع عيادات القراء سنين عدداً ولم يحصل أن قرأ على نفسه من القرآن شيئاً!. والمفترض بالرقاة أن يعلموا الناس كيف يرقون على أنفسهم، ويحفظونهم الآيات والأذكار، بحيث يطبقها المريض بنفسه ويراجع الراقي بين وقت وآخر. أما هذا البيع العلني لآيات الله في الماء أو الزيت فليس من مقصود الرقية في قليل أو كثير.
وقد مر سابقاً أن القوة الحقيقية في الرقية ليست في الراقي فقط، وإنما هي في القرآن وفي اعتقاد المريض نفسه وقوة يقينه.


ث‌- منع المريض من أخذ العلاج الطبي
وهذا أمر مؤسف ويقع كثيراً من بعض الرقاة، ولا داعي لمثل هذا خاصة أنا ذكرنا أن الأصل الجمع بين الدوائين الإيماني والطبي في المسألة رقم (6).

ج‌- الرقية بغرض التشخيص
وقد شرحنا في المسألة رقم (7) صعوبة تشخيص الأمراض ذات السبب الغيبي أصلاً، ونبهنا على خطأ المبالغة فيه، وذكرنا أنه على فرض أن الراقي عرف التشخيص فإن التوصية بعدم إخبار المريض به.

ح‌- المبالغة في نسبة الأمراض للأسباب الغيبية
ما أسهل الإسلام وأبسطه، وما أعقد بعض المسلمين. حتى جعل بعضهم كل شيء يصيبه عيناً أو سحراً أو مساً، وهذا وهم كبير. لست أدري كم نسبة هذه الأسباب الغيبية من مجموع أمراض الناس؟ هل هي 5% أو 10% أو 20% أو أقل أو أكثر؟ لست أدري ولا أعرف أبحاثاً علمية في الموضوع، وقد ترك الشارع الحكيم هذه المسألة دون تفصيل، فعلينا الاجتهاد والبحث، وليت أحداً من الباحثين المتمكنين ينشط لذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق