الأربعاء، 11 مايو 2011

روحانية الدعاء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل : ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم , ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم , ياعبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم , ياعبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار , وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم.. ) أخرجه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه .
والصلاة والسلام على من رفع أكفّ الضراعة لربه حتى سقط رداؤه دون أن يشعر به , وبعد :

- كان ابن الجوزي - رحمه الله - يناجي ربه قائلاً : " إلهي لاتعذب لساناً يخبر عنك , ولاعينا تنظر إلى علوم تدل عليك , ولايداً تكتب حديث رسولك ".
- وربما ابتهل إلى ربه قائلاً : " ارحم عبرةً ترقرق على مافاتها منك , وكبداً تحترق على بعدها عنك " .

الله أكبر!
إنها روحانية الدعاء بعد الإيمان , إنه الافتقار بين يدي الجبار, إذ به يُستدفع البلاء , ويُرّد به شرّ القضاء, وهل شيء أكرم على الله من الدعاء؟
كيف لا والله سبحانه يحث عل ذلك , ويحبه من عبده , ويعجبه انطراح عبده بين يديه, والتوجه بالشكوى إليه , بل أمر عباده بأن يدعوه, ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) .

أيها الأحبة!
لقد غفل عن هذا كثير ممن أعيتهم الحياة , وقصروا حلولهم على الماديات .
إن التضرع إلى الله , وإظهار الحاجة إليه , والاعتراف بالافتقار إليه من أعظم عُرى الإيمان , وبرهان ذلك الدعاء والإلحاح في السؤال .
- قال سهل بن عبدالله التستري - رحمه الله- : " ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار ".

لو لم ترد نيـــــــــل ما أرجوه من طلب
من فيـــض جودك ما ألهمتني الطلبا
- بل ربما دعى كثير من المسلمين دون إلحاح أو افتقار , أو ضعف ثقة ويقين بإجابة الدعاء, ولهذا تغيب حلاوة المناجاة , ولذة الابتهال إلى رب العالمين , وإن مما يحقق ذلك أمرين مهمين :
- أحدهما : أن نستحضر أسماء الله الحسنى , وصفاته العلى , فهو جلّ جلاله البرّ الكريم , الرحمن الرحيم , الملك القدوس , السلام المؤمن , المهيمن العزيز , الجبار المتكبر .
كما نتعرف على الله تعالى من خلال آلائه ونعمه ( وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها ) , ( وما بكم من نعمة فمن الله ) .

إليك وإلا لاتشدّ الركائب ومنك وإلا فالمؤمل خائب
وفيك وإلا فالغرام مضيع وعنك وإلا فالمحدث كاذب

- والأمر الآخر : أن نستصحب في مناجاتنا فقرنا , وضعفنا , ومسكنتنا , وكثرة ذنوبنا , وظلمنا , وتفريطنا , فلا حول ولا قوة إلا بالله .

يامن يجيب دُعاء المضطر في الظلم
ياكاشف الضرّ والبلوى مع الألم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا
أدعو وعينك ياقيوم لم تنم
- أرأيت إلى دعوات الأنبياء ومناجاتهم , وماتحويه من هذين الأمرين المهمين .....
- فهذا زكريا – عليه السلام – ينادي ربه قائلاً : ( قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً) .
- وهاهو يونس عليه السلام ينادي ربه في بطن الحوت فيقول : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) .
- وكان نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - يقول ويعلمنا سيد الاستغفار , حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه- وفيه : " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت , خلقتني , وأنا عبدك , وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت , أعوذ بك من شر ماصنعت , أبوءُ لك بنعمتك علي , وأبوءُ بذنبي , فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت " البخاري .

- ومن أجمل ما يذكر من القصص بهذا الشأن , أن عبد الملك بن مروان خطب خطبة بليغة , ثم قطعها , وبكى بكاءً كثيراً , ثم قال : " يارب ! إن ذنوبي عظيمة , وإن قليل عفوك أعظم منها , اللهم فامح بقليل عفوك عظيم ذنوبي" .
فبلغ ذلك الحسن البصري – رحمه الله – فبكى , وقال : " لو كان كلام يكتب بالذهب لكتب هذا الكلام " .

- وحين بالغ الشاعر المتنبي في مدح سيف الدولة فقال :

يامن ألوذ به فيما أؤمله
واستجير به مما أحاذره
لايجبر الناس عظما أنت كاسره
ولايهيضون عظما أنت جابره

أنكر عليه ابن تيمية – رحمه الله – ثم قال : ربما قلت هذين البيتين في السجود , أدعو الله بما تضمناه من الذل والخضوع الذي لايليق إلا بالله .

- وهذا أبو الحسين الرازي رئي في المنام بعد موته , فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي بقولي عند الموت : اللهم إني نصحت الناس قولا ً , وخنت نفسي فعلاً , فهب خيانة فعلي لنصح قولي " .

- وأخيراً , اللهم إنك تسمع كلامي , وترى مكاني , وتعلم سري وعلانيتي , ولا يخفى عليك شيء من أمري , أنا البائس الفقير, المستغيث المستجير , الوجل المشفق , المقرّ بذنبه , أسألك مسألة المسكين , وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل , وأدعوك دعاء الخائف الضرير , من خضعت لك رقبته , وذلّ لك جسده , ورغم لك أنفه , اللهم لاتجعلني بدعائك ربّي شقياً , وكن بي رؤوفاً رحيماً , ياخير المسؤولين , وياخير المعطين , وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين , وصلى الله وسلم على خاتم النبيين , وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق