السبت، 14 مايو 2011

ما جاء بالرقى والتمائم

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله فاطر الأرض والسماوات، الحمد لله كاشف الغم مجيب دعوة المضطر إذا دعاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خاتم النبيين وإمام المرسلين وسيد البشر أجمعين، عليه وعلى آله وصحابته أفضل الصلاة والتسليم.

أما بعد:-

اتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الخير كل الخير في اتباع المصطفى عليه الصلاة والسلام، في اتباع أمره، والسير على نهجه، وذلك يكون بفعل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه، وذلك ما أمرنا به الله -جل وعلا- في كتابه الكريم حيث قال: "وما آتاكم الرسول فخذوه. وما نهاكم عنه فانتهوا" (الحشر/7)، وقال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم" (محمد/33)، فكل عمل جاء مخالفًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو باطل مردودٌ على صاحبه.

ومن الأمور التي يجب أن ينتبه إليها المسلم الرقى والتمائم، وما هو مشروعٌ منها وما هو ممنوع.

فعن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه: "أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً أن لا يَبْقينَّ في رقبة بعير قلادة من وَتَرٍ، أو قلادة إلاَّ قُطعت" (متفق عليه).

وكان ذلك أمرًا من النبي صلى الله عليه وسلم بقطع هذه القلائد والأوتار، لما فيها من مخالفة صريحة لهديه صلى الله عليه وسلم، ولما فيها من الشرك بالله -جل وعلا-، إذ كان أهل الجاهلية يُعلِّقون هذه القلائد والأوتار على الدّواب اعتقادًا منهم بأنها تدفع عنها العين، ولا شك أننا كمسلين نعلم علم اليقين أنه لا ينفع ولا يضر إلاَّ الله -عز وجل-، ومن اعتقد أن غير الله يضر أو ينفع فهو مشرك شركًا أكبر خارج من الملة، فالله -جل وعلا- هو الضار النافع، المعطي المانع، المعز المذل، لا إله غيره ولا ربَّ سواه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتوله شرك" (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة).

والرقى منها ما هو مشروع ومنها ما هو ممنوع، أما في هذا الحديث فجاء النهي عما هو ممنوع من الرقى، لأن المشروع منها ليس من الشرك، وإنما هو من الأسباب التي جاء بها الشرع، كقوله صلى الله عليه وسلم في الفاتحة: "وما يدريك أنها رقية" (متفق عليه)، وكما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد عن جابر رضي الله عنه قال: "كان لي خال يرقي من العقرب فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرُّقى. قال: فأتاه فقال: يا رسول الله إنك نهيت عن الرُّقى وأنا أرقي من العقرب فقال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل".

وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: "كنَّا نرقي في الجاهلية. فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك. فقال: اعرضوا عليَّ رُقاكم. لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" (رواه مسلم وأبو داود).

والرقية: هي تعويذ المريض بقراءة أذكار مشروعة عليه.

وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على جواز الرقى سواء كانت من القرآن أو من الأدعية المشروعة التي يرقى بها الإنسان وإن كان الدعاء من عند الإنسان نفسه ما لم يكن فيه شرك.

والتمائم: هي عبارة عن شئ يُعلَّق على الأولاد يتَّقون به العين، وهذا منهيٌ عنه، لأنه لا دافع إلا الله -عز وجل-، ولا يُطلب دفع المؤذيات إلا منه سبحانه.

قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(492): "ولا تزال هذه الضلالة -أي: التمائم- فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين، ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة، وبعضهم يُعلق نعلاً في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها، وغيرهم يعلِّقون نعل فرس في واجهة الدّار والدكان، كل ذلك لدفع العين كما زعموا، وغير ذلك مما عمّ وطمّ بسبب الجهل بالتوحيد وما ينافيه من الشركيات والوثنيات".

والتولة: هي عبارة عن شئ يُعلقونه على الزوج، يزعمون أنه يحبّب الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى امرأته، وهذا شرك، لأنه ليس بسبب شرعي ولا قدري للمحبة.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "شرك":

أي أنه شرك لما يُراد به من دفع المضار، وجلب المنافع من غير الله تعالى، وهي إما أن تكون من الشرك الأصغر، وإما أن تكون من الشرك الأكبر، وذلك بحسب ما يريد منها الإنسان، فإن اتخذها معتقدًا أن المسبِّب هو الله -عز وجل-، فهي من الشرك الأصغر، وإن اتخذها معتقدًا أنها تفعل بنفسها، فهي من الشرك الأكبر.

قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في "القول السديد":

"أما الرقى ففيها تفصيل:

فإن كانت من القرآن أو السنة أو الكلام الحسن فإنها مندوبة في حق الراقي لأنها من باب الإحسان، ولما فيها من النفع، وهي جائزة في حق المرقي، إلاَّ أنه لا ينبغي له أن يبتدئ بطلبها، فإن من كمال توكل العبد وقوة يقينه أن لا يسأل أحدًا من الخلق لا رقية ولا غيرها، بل ينبغي إذا سأل أحدًا أن يدعوا له أن يلحظ مصلحة الداعي والإحسان إليه، بتسببه لهذه العبودية له مع مصلحة نفسه، وهذا من أسرار تحقيق التوحيد ومعانيه البديعة التي لا يوفق للتفقُّه فيها والعمل بها إلا الكُمَّل من العباد.

وإن كانت الرُّقية يُدعى بها غير الله، ويُطلب الشفاء من غيره، فهذا هو الشرك الأكبر لأنه دعاء واستغاثة بغير الله". ومن هنا يتبين أنه لا بأس بالرُّقى إن كانت بكتاب الله أو بما يُعرف من ذكر الله، وأما إن كانت بغير ذلك فهي ممنوعة، بل وتكون من الشرك بالله -جل وعلا-، إذ جعل نفسه مشرِّعًا مع الله -عز وجل-، يُشرِّع كيف شاء ومتى شاء، فيجعل من الأسباب ما لم يجعله الله سببًا.

قال الخطابي: "وكان عليه السلام، قد رقى ورُقي، وأمر بها وأجازها، فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله تعالى فهي مباحة أو مأمور بها.

وإنما جاءت الكراهة والمنع، فيما كان منها بغير لسان العرب، فإنه ربما كان كفرًا أو قولاً يدخله الشرك".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقي به، فضلاً أن يدعوا به ولو عرف معناه، لأنه يُكره الدعاء بغير العربية، وإنما يُرخَّص لمن لا يحسن العربية، فأما جعل الألفاظ العجمية شعارًا، فليس من دين الإسلام".

وقال السيوطي: "وأجمع العلماء على جواز الرّقى، عند اجتماع ثلاثة شروط: أن يكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي، وبما يُعرف معناه. وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى".

كما يتبين لنا من قول الشيخ السعدي رحمه الله: "إلا أنه لا ينبغي له أن يبتدئ بطلبها":

أي أنه لا ينبغي للمسلم أن يطلب الرقية من أحد، وذلك من تمام التوكل على الله -عز وجل-، ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما:

"يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" (متفق عليه).

وليس في طلب الرقية من المخلوق إثم، إن اعتقد صاحبها أنها ليست إلا سبب، وأن الأمر كله بيد الله -جل وعلا-، وإنما عدم طلبها من المخلوق من تمام التوكل على الخالق سبحانه وتعالى.

ولجواز الرقية شروط يجب توافرها، وهي:

1- أن لا يعتقد أنها تنفع بذاتها دون الله -عز وجل-، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتها من دون الله، فهو محرَّم، بل شرك، بل يجب أن يعتقد أنها سبب لا تنفع إلاَّ بإذن الله تعالى.

2- أن لا تكون مما يخالف الشرع، كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله، أو استغاثة بالجن، وما أشبه ذلك، فإنها محرَّمة، بل شرك.

3- أن تكون مفهومة معلومة، فإن كانت من جنس الطلاسم والشعوذة، فإنها لا تجوز.

أما بالنسبة للتمائم:

فعن عبدالله بن عكيم مرفوعًا: "من تعلَّق شيئًا وكل إليه" (رواه أحمد والترمذي).

وعن عقبة بن عامر مرفوعًا: "من تعلَّق تميمةً فقد أشرك" (رواه أحمد والحاكم).

ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تعلَّق شيئا" : أي اعتمد عليه وجعله همه ومبلغ علمه، وصار يعلِّق رجاءه به وزوال خوفه به.

ومعنى قوله شيئًا : أي أنها تعم جميع الأشياء، فمن تعلَّق بالله -سبحانه وتعالى-، وجعل رغبته ورجاءه فيه وخوفه منه، فإن الله تعالى يقول: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" (الطلاق/3)، وحسبه: بمعنى كافيه.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل إليه": أي أسند إليه، وفوّض.

وأما حكم تعليق التمائم، فقد اختلف أهل العلم في ذلك إن كانت من القرآن، فمنهم من أجازها ومنهم من نهى عنها، والأصل في ذلك المنع لأمور، منها:-

1- عموم النهي، ولا مخصّص للعموم.

2- سدًّا للذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس من القرآن.

3- أنه إذا عُلِّق فلا بد أن يمتهنه المعلِّق، بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك.

كما أن هناك من أهل العلم من قال: لا يجوز تعليق القرآن للاستشفاء به، لأن الاستشفاء بالقرآن ورد على صفة معينة، وهي القراءة به، بمعنى أنك تقرأ على المريض به، فلو جعلنا الاستشفاء بالقرآن على صفة لم ترد، فمعنى ذلك أننا فعلنا سببًا ليس مشروعًا، وجعل ما ليس بسبب سببًا من الشرك، وأما إن كانت من غير القرآن فهي ممنوعة، بل ومنها ما هو شرك أكبر كالتي تشتمل على الاستغاثة بالشياطين أو غيرهم من المخلوقين. فالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك، ومنها ما هو محرم كالتي فيها أسماء لا يفهم معناها لأنها تجر إلى الشرك.

لذلك ينبغي على المسلم أن يجتنب هذه الأمور، وأن يجتنب التمائم سواء كانت من القرآن أو من غيره، وذلك لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

هذا والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد البشر أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق