الأربعاء، 11 مايو 2011

سلسلة الرقية الشرعية

الحلقة التاسعة

 خمسة اقتراحات لتنظيم العلاج بالرقية وتطويره
الاقتراح الأول: إصدار تنظيمات وتشريعات للعلاج بالرقية
لما كانت الرقية متعلقة بصحة الناس، ولما كانت الأنظمة العالمية حتى الآن تجعل أي ممارسة علاجية لابد لها من تصريح من الجهات الصحية، فنحن بحاجة ماسة حقيقية وسريعة إلى "تنظيم الرقية" وإصدار الأنظمة واللوائح فيها، وتحديد آليات عملها ومن يصرح له بممارستها وضبط الصلاحيات والاختصاصات إلى غير ذلك.
وهذا الاقتراح واضح، لكن يبقى السؤال من يضع هذه الأنظمة ومن يشرعها؟ أعتقد أن هذه الأنظمة ستتطور مع الزمن، ولا مانع في البداية أن يكون النظام مرناً، ثم يكون أكثر صرامة مع تقدم هذه العلم، خاصة إذا أخذ بالاقتراحات الأخرى الآتية، فإنها ستساعد كثيراً على تكوين النظام.

الاقتراح الثاني: توسيع مفهوم العلاج بالرقية
إن العلاج بالرقية الآن مقصور على القراءة على المرضى فقط، بطرق بعضها مقبول وبعضها مرفوض. والمطلوب هو توسيع هذا المفهوم بحيث يدخل ضمن العلاج الإيماني ويشمل الآتي:
تعليم الناس كيف يرقون أنفسهم بأنفسهم، وربطهم بكتاب الله تعالى- وبالأذكار والدعاء.
تعليم الناس معاني الإيمان بالله عز وجل والالتجاء إليه- والاعتصام به والتوكل عليه والرضا بقضائه والصبر على مرارة المرض، ونحو ذلك من معاني العلاج الإيماني الرحبة الجميلة الواسعة(40).
إضافة تقنيات الإرشاد والتوجيه- (Counseling) كي لا تكون الرقية علاجاً باتجاه واحد من الراقي إلى المريض فقط، وإنما تكون تفاعلية بمشاركة الطرفين.

الاقتراح الثالث: إيجاد تخصص جامعي جديد للعلاج الإيماني ومنه العلاج بالرقية
لدي اقتراح أطرحه للمناقشة والتطوير، وهو تحويل العلاج بالرقية إلى تخصص جامعي علمي مقنن ومنضبط يدرس في الجامعات باسم العلاج الإيماني، ويكون العلاج بالرقية أحد فروعه. وأعتقد أن هذا تطور طبيعي لهذا العلم، فبرغم تطور كل علوم الشريعة وتحولها إلى تخصصات تدرس في الجامعات، فإن هذا العلم لا يزال إلى الآن متروكاً للاجتهادات الفردية والتلقي بالمشافهة، ونسبة كبيرة من المعالجين بالرقية من حملة الشهادات الدنيا أو من غير المتعلمين.
وهذا الاقتراح إذا تم البدء به وتطبيقه فسيكون نقلة نوعية حقيقية، وأرى أن الخطوة الأولى هنا أن تبادر إحدى الجامعات أو كليات الطب لطرح هذا التخصص، وستجد من الإقبال شيئاً كبيراً، ولا شك أنهم سيصممون المنهج والمراجع ويختارون الأساتذة والأطباء المشاركين بدقة وعناية.
وستكون الخطوة التالية تنظيم ممارسة هذا العلم بعد التخرج، ووضع الضوابط لذلك، وهكذا سيتطور العلم شيئاً فشيئاً.
وسيترتب على تحويل هذا العلم إلى تخصص جديد إيجاد المسميات الوظيفية للتخصص. ومنها "المعالج الديني"، وهو أوسع من مصطلح "المعالج بالرقية"، فالمعالج الديني يكون متخصصاً في آليات الإرشاد والتوجيه الديني والإيماني، ولديه قدرة مبدئية على التشخيص التفريقي بين الأمراض في الجملة، ويعرف كيف يوجه المرضى ويرشدهم ويصحح من قناعاتهم ويعدل من سلوكياتهم باستخدام تقنيات العلاج الإيماني والديني. والمعالج الديني مثله مثل المعالج النفسي المعروف حالياً في كل دول العالم تقريباً.
ومن المسميات الوظيفية "المرشد الديني" وهو أقل من المعالج الديني ومثله مثل المرشد الاجتماعي.
لكن من يقوم بالخطوة الأولى؟! أسأل الله للجميع التوفيق.

الاقتراح الرابع: الدمج بين الرقية والقطاع الصحي
أعتقد شخصياً أن الأفضل هو دمج الرقية مع القطاع الصحي، بحيث تكون جزءاً من العلاج المتكامل، ولا تكون مفصولة عنه مبتوتة منه. إن الفكرة الأساسية للدمج هي أن العلاج بالرقية يتعامل مع المرضى بهدف علاجهم، والتعامل مع المرضى يجب ألا يخرج عن نطاق القطاع الصحي، فهو المسئول عن تشخيص الأمراض وعلاجها.
ودمج الرقية والرقاة في القطاع الصحي له فوائد كثيرة، من أهمها:
إنهاء القطيعة المتبادلة- بين الرقاة والأطباء،
وإتاحة فرصة العلاج بالرقية لكل المرضى،-
وتبادل- الخبرات بين الأطباء والرقاة،
وضبط ممارسة الرقية بتصاريح معتمدة،-
وتوسيع- دائرة الرقية بحيث تشمل العلاج الإيماني والديني كله، وهو دائرة أوسع بكثير من مجرد الرقية، إذ لا تعدو الرقية أن تكون أحد العلاجات الإيمانية.
إن ما يحصل الآن من فصام نكد بين الرقاة والقطاع الصحي خطأ كبير، لأن الأمراض متداخلة والرقاة لا يمكنهم تشخيص الأمراض، والأطباء لا يحسنون الرقية على المرضى، فاجتمع النقص هنا وهنا، فلا بد من الدمج لتجاوز هذا النقص.
وهذا الاقتراح بالدمج لا يعني بالضرورة إلغاء كل عيادات الرقية، لكن تصبح علاقتها بالقطاع الصحي أوضح، ولو كانت مستقلة عن المستشفى.
والدمج لا يعني أيضاً ذوبان الرقاة تحت سيطرة الأطباء، كلا فلدينا أمثلة واقعية من تخصصات مشابهة، مثل العلاج النفسي والإرشاد الاجتماعي، فهذه التخصصات تم دمجها في القطاع الصحي قبل عقود قليلة فقط، مع أن أصولها هي علم النفس وعلم الاجتماع، وهي علوم لا يبدو للوهلة الأولى صلتها المباشرة بالطب، مع أن الأطباء الآن لا يكادون يستغنون عن خدماتها. كما أن هذه العلوم مستقلة في أبحاثها وكلياتها ومراجعها العلمية، ولم تزدد بالدمج في القطاع الصحي إلا قوة ومتانة وأهمية. وهي فوق ذلك لم تفقد هويتها فهذه العلوم لا تزال قائمة خارج القطاع الصحي باستقلالية تامة.
أما آلية الدمج وكيفيته فهو مجال خصب للبحث العلمي والدراسة والتنقيب.

الاقتراح الخامس: أن يكون حل الخلافات بإجراء مزيد من البحوث التجريبية
وقد أكدت هذا وكررته في ثنايا هذه الورقة. وذكرت مجموعة من الأبحاث المطلوبة، وكل هذا يحتاج لبيئة بحثية، والجامعات أفضل مكان لمثل هذا. إن البحوث "المشتركة" في نظري هي أهم الحلول لهذا السجال العقيم، والدعوة للحوار فقط لم تؤت ثمارها، والسبب أن كثيراً من المسائل عالقة ليس لها مرجعية لحسم الخلاف، وكل طرف ينظر لها من زاويته هو، فلعل وعسى أن تساعد البحوث المنصفين من الطرفين على الوصول إلى حل علمي مقنع.
لكن كما تعلمون فبيئة البحث العلمي في كثير من بلاد المسلمين ليست مكتملة المقومات للأسف الشديد، ولا تساعد على إجراء مثل هذا النوع الإبداعي من البحوث، والدعم المالي لا يتوفر دوماً، فليت أحداً من تجار المسلمين ومحسنيهم وهم كثر بحمد الله تعالى ليته ينشط لدعم مثل هذه البحوث، فنفعها كبير وخيرها عميم وأجرها باق إلى ما شاء الله بعدد من ينتفع بها من المرضى على مر الزمان.
وحسب علمي ومتابعتي فلا أعرف حتى الآن أن أحداً بحث فعالية الرقية في العلاج من الأمراض في بحث علمي، ونحن بحاجة ماسة إلى حركة بحثية واسعة في كثير من مجالات العلاج الإيماني عموماً والعلاج بالرقى على وجه الخصوص. ومن هذه المجالات التي نتمنى أن تبحث بشكل جيد:
آلية وكيفية إدخال العلاج بالرقية ضمن العلاج- الطبي المعتمد.
توسيع دائرة الرقية بحيث تشمل تعميق المعاني الإيمانية في- النفوس.
وسائل وطرق زيادة فعالية الرقية.-
المسائل المتعلقة بالأسباب- الغيبية للأمراض (العين والسحر والجن).
دراسات مسحية تحليلية في المجتمع حول- قناعاتهم وممارساتهم المتعلقة بالرقية والأسباب الغيبية للأمراض.

وهكذا تتكامل الاقتراحات الخمس مع بعضها البعض، ولا تكون الحلول جزئية مبتورة. والله ولي السداد والهداية والتوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق