الأربعاء، 11 مايو 2011

سلسلة الرقية الشرعية

السلسلة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على حبيبنا الرسول النبي الكريم، وعلى آله وأهل بيته وأصحابه الطيبين، وبعد:
فاستجابة لدعوة كريمة من الإخوة في موقع الإسلام اليوم أقدم هذه الورقة المختصرة في بيان الرأي الطبي في التداوي والاستشفاء بالرقية، وقد استللتها من بحث مطول لي كتبته منذ سنوات.
ولابد قبل البدء من التأكيد على أنني لست متخصصاً في علوم الشريعة (وإن كنت حاصلاً على شهادة الشريعة، لأن التخصص لا يقاس بالشهادات فقط وإنما بالتفرغ وطول الممارسة بعد الشهادة)، ولهذا فإني لن أتوسع في تناول المسائل الشرعية البحتة، فهي فيما أحسب مشهورة ومتداولة ويمكن الوصول إليها بيسر وسهولة. وسأركز على مسائل طبية تطبيقية عرفتها بحكم تخصصي في الطب تعلماً وممارسة وتعليماً زهاء ربع قرن، والله ولي التوفيق.

وقد رتبت هذه الورقة المختصرة في 14 مسألة. واقتصرت فيها على المسائل ذات الصلة المباشرة بالرقية، أما مسائل الأسباب الغيبية للأمراض (السحر والمس والعين) فذكرتها هنا تفريعاً لا أصالة.
[1] ما المقصود بالاستشفاء بالرقية؟
الرقية هي"قراءة آيات وأذكار وأدعية على الشخص بقصد العلاج والتداوي أو وقايته من الأمراض"، وتسمى أيضاً تعويذة أو عزيمة. وهي من العلاجات الإيمانية الغيبية. ولم تدخل الرقية إلى الآن في الطب المعاصر، على قاعدته في عدم الاعتداد بالغيبيات وما وراء الطبيعة، وهو يصنفها عموماً ضمن الطب البديل في قسم الروحانيات والعلاج الديني.

[2] هل كل أنواع الرقية الموجودة حاليا مشروعة؟
ليست كل التعاويذ مقبولة في الشرع، لأن أكثرها يفتح باب التعلق بغير الله تعالى وبالأوهام، ويفتح باب الشعوذة والدجل، لكن منها ما هو مقبول في الشرع أو حتى منصوص عليه صراحة، وحديثنا في هذا البحث عن النوع المقبول شرعاً، دون المنهي عنه(1).

[3] مقصد التشريع في الاستشفاء بالرقية
إن الفكرة الأساسية في تشريع الرقية أنها علاج إيماني غيبي، مصلحة التشريع فيه ربط الناس بالله وزيادة إيمانهم وتعميق معاني الالتجاء إلى الله والتعلق به والروحانية.
إن حاجة الناس إلى العلاجات الإيمانية في الجملة ومنها العلاج بالرقى أمر ظاهر نحسه نحن الأطباء في عياداتنا ومستشفياتنا وغرف العمليات وأجنحة الطوارئ. نحسه ونلحظه في المرضى الذين ندرك بحكم الخبرة أنهم بحاجة إلى روح قوية وإيمان راسخ ونفسية مرنة، تساعدهم على التكيف مع أمراضهم وسرعة الشفاء منها، كما أنهم بحاجة إلى طلب المدد والغوث من الرب العظيم الكريم الذي بيده مقاليد الصحة والمرض والعافية والسقم، فليست مفاتيح الشفاء عند الأطباء، إنما هم أدلاء على هذه المفاتيح، سبحانه وتعالى (وإذا مرضت فهو يشفين).
ومن العبارات التي أكررها كثيراً وأؤكدها على المتدربين في الدراسات العليا أن "المعاناة ليست دائماً على قدر المرض"، والمعنى أنك قد تجد مريضين مصابان بنفس المرض، وأنت تدرك من معارفك الطبية أن درجة قوة المرض عند الأول شديدة وقاسية ومع ذلك فتراه مطمئناً مرتاحاً منشرح الصدر، لا يشتكي إلا بالقدر الذي يوضح فيه الأعراض. أما الآخر فدرجة المرض طبياً عنده ليست قوية ولا عنيفة ومع ذلك فهو شاكٍ باكٍ، يتذمر من حاله ويندب حظه ويصيح من ألمه!.
ومن مقاصد الشريعة أيضاً في هذا الباب: أن العلاج بالرقية في الشريعة بسيط سهل لا تعقيد فيه ولا تكلف ولا طقوس مبالغ فيها، وأية طقوس إضافية عليه تخرجه عن مقصد التشريع فهي بدعة بغيضة مقيتة، فإذا صارت هذه الطقوس المبتدعة توقع الناس في شرك الوهم ومتاهة الشك ودوامة القلق، أو تصرفهم عن التعلق بالله إلى التعلق بالأشخاص، فهو لا شك خروج بالرقية عن مقصودها ووقوع في المحذور.
ومشكلتنا في فهم مقصد التشريع في العلاج بالرقية أننا ما بين الفعل وردة الفعل، والطرفان مخطئان والصواب مع الوسط.
والطرف الأول هم المنكرون للرقية أو الذين لا يمارسونها إطلاقاً ويكثر هذا في الأطباء. وهم ما بين منكر لها أصلاً، أو مؤمن بها لكنه متجاهل لها غير مبال بها. وفي بحث ميداني لي أجريته عام 1416 هـ كانت الغالبية من الأطباء (80%) يؤمنون بالرقية، و(20%) منهم مترددون. لكن الأكثر (93.3%) لا يطبقونه على مرضاهم أبداً أو يطبقونه في أحيان قليلة فقط.
ولابد أن نعترف نحن الأطباء بإعراضنا في الجملة عن العلاجات الإيمانية ومنها الرقى، إما عن عدم قناعة أو عدم تطبيق فعلي، مع أن الأصل أن أي مشكلة صحية تواجه المجتمع فالقطاع الصحي هو المسئول الأول عنها. لكن من أسف أن الطب الذي درسناه لا يشير إلى هذه العلاجات الغيبية إلا في موضع التندر والانتقاص وأنه لا دليل علمياً عليها، ولم تحدث حتى الآن حركة علمية بحثية قوية من الأطباء المسلمين أنفسهم لدراسة هذا النوع من العلاجات بعقلية المؤمن، وأسباب هذا كثيرة أبسطها أن بيئة البحث العلمي عندنا لا تسعف!.
والطرف الثاني هم الذين ابتدعوا في الرقية ما ليس منها وأدخلوا فيها طقوساً وتعقيدات زعموا أنها من التجربة الشخصية. ألا قاتل الله الغلو والتعقيد!. فالرقية علاج غيبي إيماني معروف أقره النبي –صلى الله عليه وسلم- ومارسه بنفسه الشريفة وعلى أهل بيته الكرام، ومارسه الصحابة والأئمة بدون تعقيدات ولا طقوس إضافية.
فلما ابتعد المسلمون عن بساطة الإسلام وروح الشريعة وأوغلوا في التعقيد وتعلقوا بالطقوس جاءت العاقبة سيئة غير حميدة، وأضافوا إلى الرقية أشياء كثيرة ليست منها أصلاً، وصاروا يزعمون أن هذا عرفوه بالتجربة والممارسة، فأبعدوا الناس عن روح القرآن وعن السر الأول في الاستشفاء بالرقية، وهو الاعتماد على الله واللجء إليه والاقتراب منه أكثر وزيادة الإيمان وروحانية القلب وصفاء النفس، وتحول ذلك كله إلى الاعتماد على الرقاة واللجوء إليهم، ودخل كثير من المرضى في دوامة الوهم وصدق فيهم قول الباري (فزادوهم رهقا) فانقلبت الرقية داء بعدما كانت دواء.
ولطالما تمنيت أن يبتعد الرقاة عن كل هذه الطقوس الإضافية المبتدعة، ويعززوا في الناس معاني الإيمان والتوكل والصبر والاحتساب، ويزيدوا فيهم من الروحانية والصفاء، لا أن يدخلوهم في متاهة الوهم والشك والقلق.
وهذا كله بسبب هؤلاء الصنف من الرقاة، وهم كثير للأسف، الذين يتأكلون بالرقية عن جهل أو حسن نية أو اجتهاد خاطئ أو رغبة في المال، ألا سامحهم الله أفسدوا علينا الرقية!.
أما الفريق الوسط فهم الذين يرون الرقية علاجاً إيمانياً غيبياً للأمراض وقاية وعلاجاً، وأن الهدف منه تعزيز الإيمان في نفوس الناس وتقريبهم من ربهم ومولاهم، وتقوية معاني الإيمان والتوكل والرضا والصبر والاستعانة بالله وحده. وأنه بسيط سهل لا تعقيد فيه ولا تكلف ولا طقوس مبالغ فيها
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على حبيبنا الرسول النبي الكريم، وعلى آله وأهل بيته وأصحابه الطيبين، وبعد:
فاستجابة لدعوة كريمة من الإخوة في موقع الإسلام اليوم أقدم هذه الورقة المختصرة في بيان الرأي الطبي في التداوي والاستشفاء بالرقية، وقد استللتها من بحث مطول لي كتبته منذ سنوات.
ولابد قبل البدء من التأكيد على أنني لست متخصصاً في علوم الشريعة (وإن كنت حاصلاً على شهادة الشريعة، لأن التخصص لا يقاس بالشهادات فقط وإنما بالتفرغ وطول الممارسة بعد الشهادة)، ولهذا فإني لن أتوسع في تناول المسائل الشرعية البحتة، فهي فيما أحسب مشهورة ومتداولة ويمكن الوصول إليها بيسر وسهولة. وسأركز على مسائل طبية تطبيقية عرفتها بحكم تخصصي في الطب تعلماً وممارسة وتعليماً زهاء ربع قرن، والله ولي التوفيق.

وقد رتبت هذه الورقة المختصرة في 14 مسألة. واقتصرت فيها على المسائل ذات الصلة المباشرة بالرقية، أما مسائل الأسباب الغيبية للأمراض (السحر والمس والعين) فذكرتها هنا تفريعاً لا أصالة.
[1] ما المقصود بالاستشفاء بالرقية؟
الرقية هي"قراءة آيات وأذكار وأدعية على الشخص بقصد العلاج والتداوي أو وقايته من الأمراض"، وتسمى أيضاً تعويذة أو عزيمة. وهي من العلاجات الإيمانية الغيبية. ولم تدخل الرقية إلى الآن في الطب المعاصر، على قاعدته في عدم الاعتداد بالغيبيات وما وراء الطبيعة، وهو يصنفها عموماً ضمن الطب البديل في قسم الروحانيات والعلاج الديني.

[2] هل كل أنواع الرقية الموجودة حاليا مشروعة؟
ليست كل التعاويذ مقبولة في الشرع، لأن أكثرها يفتح باب التعلق بغير الله تعالى وبالأوهام، ويفتح باب الشعوذة والدجل، لكن منها ما هو مقبول في الشرع أو حتى منصوص عليه صراحة، وحديثنا في هذا البحث عن النوع المقبول شرعاً، دون المنهي عنه(1).

[3] مقصد التشريع في الاستشفاء بالرقية
إن الفكرة الأساسية في تشريع الرقية أنها علاج إيماني غيبي، مصلحة التشريع فيه ربط الناس بالله وزيادة إيمانهم وتعميق معاني الالتجاء إلى الله والتعلق به والروحانية.
إن حاجة الناس إلى العلاجات الإيمانية في الجملة ومنها العلاج بالرقى أمر ظاهر نحسه نحن الأطباء في عياداتنا ومستشفياتنا وغرف العمليات وأجنحة الطوارئ. نحسه ونلحظه في المرضى الذين ندرك بحكم الخبرة أنهم بحاجة إلى روح قوية وإيمان راسخ ونفسية مرنة، تساعدهم على التكيف مع أمراضهم وسرعة الشفاء منها، كما أنهم بحاجة إلى طلب المدد والغوث من الرب العظيم الكريم الذي بيده مقاليد الصحة والمرض والعافية والسقم، فليست مفاتيح الشفاء عند الأطباء، إنما هم أدلاء على هذه المفاتيح، سبحانه وتعالى (وإذا مرضت فهو يشفين).
ومن العبارات التي أكررها كثيراً وأؤكدها على المتدربين في الدراسات العليا أن "المعاناة ليست دائماً على قدر المرض"، والمعنى أنك قد تجد مريضين مصابان بنفس المرض، وأنت تدرك من معارفك الطبية أن درجة قوة المرض عند الأول شديدة وقاسية ومع ذلك فتراه مطمئناً مرتاحاً منشرح الصدر، لا يشتكي إلا بالقدر الذي يوضح فيه الأعراض. أما الآخر فدرجة المرض طبياً عنده ليست قوية ولا عنيفة ومع ذلك فهو شاكٍ باكٍ، يتذمر من حاله ويندب حظه ويصيح من ألمه!.
ومن مقاصد الشريعة أيضاً في هذا الباب: أن العلاج بالرقية في الشريعة بسيط سهل لا تعقيد فيه ولا تكلف ولا طقوس مبالغ فيها، وأية طقوس إضافية عليه تخرجه عن مقصد التشريع فهي بدعة بغيضة مقيتة، فإذا صارت هذه الطقوس المبتدعة توقع الناس في شرك الوهم ومتاهة الشك ودوامة القلق، أو تصرفهم عن التعلق بالله إلى التعلق بالأشخاص، فهو لا شك خروج بالرقية عن مقصودها ووقوع في المحذور.
ومشكلتنا في فهم مقصد التشريع في العلاج بالرقية أننا ما بين الفعل وردة الفعل، والطرفان مخطئان والصواب مع الوسط.
والطرف الأول هم المنكرون للرقية أو الذين لا يمارسونها إطلاقاً ويكثر هذا في الأطباء. وهم ما بين منكر لها أصلاً، أو مؤمن بها لكنه متجاهل لها غير مبال بها. وفي بحث ميداني لي أجريته عام 1416 هـ كانت الغالبية من الأطباء (80%) يؤمنون بالرقية، و(20%) منهم مترددون. لكن الأكثر (93.3%) لا يطبقونه على مرضاهم أبداً أو يطبقونه في أحيان قليلة فقط.
ولابد أن نعترف نحن الأطباء بإعراضنا في الجملة عن العلاجات الإيمانية ومنها الرقى، إما عن عدم قناعة أو عدم تطبيق فعلي، مع أن الأصل أن أي مشكلة صحية تواجه المجتمع فالقطاع الصحي هو المسئول الأول عنها. لكن من أسف أن الطب الذي درسناه لا يشير إلى هذه العلاجات الغيبية إلا في موضع التندر والانتقاص وأنه لا دليل علمياً عليها، ولم تحدث حتى الآن حركة علمية بحثية قوية من الأطباء المسلمين أنفسهم لدراسة هذا النوع من العلاجات بعقلية المؤمن، وأسباب هذا كثيرة أبسطها أن بيئة البحث العلمي عندنا لا تسعف!.
والطرف الثاني هم الذين ابتدعوا في الرقية ما ليس منها وأدخلوا فيها طقوساً وتعقيدات زعموا أنها من التجربة الشخصية. ألا قاتل الله الغلو والتعقيد!. فالرقية علاج غيبي إيماني معروف أقره النبي –صلى الله عليه وسلم- ومارسه بنفسه الشريفة وعلى أهل بيته الكرام، ومارسه الصحابة والأئمة بدون تعقيدات ولا طقوس إضافية.
فلما ابتعد المسلمون عن بساطة الإسلام وروح الشريعة وأوغلوا في التعقيد وتعلقوا بالطقوس جاءت العاقبة سيئة غير حميدة، وأضافوا إلى الرقية أشياء كثيرة ليست منها أصلاً، وصاروا يزعمون أن هذا عرفوه بالتجربة والممارسة، فأبعدوا الناس عن روح القرآن وعن السر الأول في الاستشفاء بالرقية، وهو الاعتماد على الله واللجء إليه والاقتراب منه أكثر وزيادة الإيمان وروحانية القلب وصفاء النفس، وتحول ذلك كله إلى الاعتماد على الرقاة واللجوء إليهم، ودخل كثير من المرضى في دوامة الوهم وصدق فيهم قول الباري (فزادوهم رهقا) فانقلبت الرقية داء بعدما كانت دواء.
ولطالما تمنيت أن يبتعد الرقاة عن كل هذه الطقوس الإضافية المبتدعة، ويعززوا في الناس معاني الإيمان والتوكل والصبر والاحتساب، ويزيدوا فيهم من الروحانية والصفاء، لا أن يدخلوهم في متاهة الوهم والشك والقلق.
وهذا كله بسبب هؤلاء الصنف من الرقاة، وهم كثير للأسف، الذين يتأكلون بالرقية عن جهل أو حسن نية أو اجتهاد خاطئ أو رغبة في المال، ألا سامحهم الله أفسدوا علينا الرقية!.
أما الفريق الوسط فهم الذين يرون الرقية علاجاً إيمانياً غيبياً للأمراض وقاية وعلاجاً، وأن الهدف منه تعزيز الإيمان في نفوس الناس وتقريبهم من ربهم ومولاهم، وتقوية معاني الإيمان والتوكل والرضا والصبر والاستعانة بالله وحده. وأنه بسيط سهل لا تعقيد فيه ولا تكلف ولا طقوس مبالغ فيها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق